recent
الاخبار العاجلة

مزج لقاحات "كوفيد-19".. دراسات تزف بشرى تخص المناعة

حيدر الربيعي
الصفحة الرئيسية

 




في تموز 2021، حذَّرت كبيرة علماء منظمة الصحة العالمية سمية سواميناثان في مؤتمر صحفي من خطورة ترك قرار مزج جدول اللقاحات للأفراد، وأكَّدت ضرورة ترك هذا القرار للجهات المختصة وفقا للمعلومات المتوفرة في الوقت الحالي.


وعقَّبت لاحقا في تغريدة عبر تويتر أن العالم بانتظار نتائج دراسات مزج جداول اللقاحات حتى تُقيَّم كفاءة هذه الممارسة وأمانها، والآن بعد أن بدأت نتائج بعض الدراسات في الظهور، يمكننا أن نتفاءل قليلا.
 
وكان الدافع الأكبر وراء تجربة مزج اللقاحات هو ما حدث منذ عدة أشهر مع لقاح شركة "أسترازينيكا"، حين ظهرت حالات نادرة جدا من مشكلات تجلط الدم، بعد الحصول على الجرعة الأولى من اللقاح، الأمر الذي دفع عدة دول أوروبية مثل السويد وفرنسا وإسبانيا إلى وقف استخدامه في بعض الفئات العمرية، ما خلَّف مجموعة كبيرة من المواطنين الحاصلين على جرعة واحدة من اللقاح فحسب، وكان لا بد من استكمال جدول اللقاح الخاص بهم بنوع مختلف من اللقاح بدلا من تركهم بنصف مناعة.

إحدى أهم هذه الدراسات هي دراسة تُعرف باسم "Com-Cov"، وهي اختصار لعبارة "مقارنة مجموعات جدول لقاح كوفيد-19". أُجريت الدراسة في جامعة أكسفورد بقيادة ماثيو سنيب، البروفيسور المشارك في مجموعة أكسفورد للقاحات، حيث استخدم الباحثون نوعا مختلفا من اللقاح للجرعة الثانية عن ذلك المُستخدَم في الجرعة الأولى، وذلك لدراسة تأثير هذا المزج على معدلات المناعة ضد الفيروس. بحثت الدراسة أيضا في الأعراض الجانبية المُحتمَلة لمزج اللقاحات، بهدف استخدام النتائج في تحديد سياسات اللقاحات الجديدة في المملكة المتحدة.

واشترطت الدراسة أن يكون عمر المتطوعين 50 عاما فأكثر، وألا يعرف المشترك نوع اللقاح الذي سيحصل عليه في أيٍّ من الجرعتين، سواء كانت الجرعتان متماثلتين أو مختلفتين، على أن تتفاوت المدة بين الجرعتين من 4 أسابيع لبعض الحالات و12 أسبوعا في حالات أخرى. تختبر الدراسة حاليا لقاحَيْ شركة "أسترازينيكا" و"فايزر"، حيث يعمل كلٌّ منهما بآلية مختلفة عن الآخر، مما يرجح أن يُحدِث المزج بينهما تأثيرا مناعيا أقوى وربما أكثر استدامة من الاكتفاء بنوع واحد فقط.

ويسمى لقاح شركة "فايزر" بلقاح الحمض النووي الريبوزي المرسال، وهو ببساطة رسالة متناهية الصغر تعطي التعليمات لخلايا جسمك بخلق جزء صغير غير ضار من بروتين فيروس "سارس-كوف 2" المسبِّب لمرض "كوفيد-19" يسمى ببروتين الحسكة، وعندما يلتقط جهازك المناعي وجود هذا البروتين الدخيل يعمل على تخليق أجسام مضادة للقضاء عليه. بالتالي إذا أُصبت بالفيروس بالفعل، فسيكون لدى جهازك المناعي خبرة سابقة في التعامل معه وقدرة على تخليق الأجسام المضادة بسرعة أكبر، ما قد يمنع الأعراض كلية أو يحد من قوتها.

على الجانب الآخر، يعمل لقاح "أسترازينيكا" بطريقة مختلفة، حيث يُستخدَم فيروس ناقِل (Vector) من الفيروسات الغدية غير المؤذية، وهو مجرد وعاء لنقل رسالة مكوَّنة من جزء صغير من الحمض النووي الخاص بفيروس "سارس-كوف 2″، تصل هذه الرسالة إلى خلايا جسمك لتبدأ في إنتاج بروتين الحسكة، وعندما يتعرَّف عليه جهازك المناعي يبدأ بإنتاج "الخلايا تي" المناعية (T-cells)، وإذا ما أُصبت بالعدوى تقضي هذه الخلايا المناعية على الخلايا المصابة بالفيروس وتمنعه من الانتشار.

وجد الباحثون في النتائج الأولية لدراسة "COM-COV" أن استجابة الأجسام المضادة كانت الأعلى في المشاركين الذين حصلوا على جدول لقاح "فايزر" المتماثل ومَن حصلوا على جدول لقاح متنوِّع بجرعة من "أسترازينيكا" متبوعة بجرعة من "فايزر" بنسبة تكاد تكون مماثلة.

لكن هذا ليس كل شيء، حيث كانت استجابة "الخلايا تي" الناتجة عن هذا الجدول المتنوِّع أعلى بمرتين من تلك الناتجة عن جدول لقاح "فايزر" المتماثل، "الخلايا تي" هي ممثل آخر للمناعة بجانب الأجسام المضادة، ويعني هذا أن مزج لقاح الحمض النووي الريبوزي المرسال (مثل فايرز) بلقاح قائم على فيروس غُدّيّ بوصفه ناقلا (مثل أسترازينيكا) قد يوفِّر مكسبا مناعيا مزدوجا.

في المقابل، أشارت ورقة بحثية منفصلة نُشرت في دورية "ذا لانست"، وبُنيت على دراسة "COM-COV"، إلى أن الأعراض الجانبية البسيطة والمتوسطة للقاح رُصدت بمعدلات أكبر في عينات البحث الحاصلة على جدول اللقاح المتنوِّع من تلك الحاصلة على جدول اللقاح المتماثل، لكن هذه الأعراض كانت قصيرة الأمد بلا أي تداعيات صحية طويلة. لذا على الرغم من النتائج الإيجابية لمزج جدول اللقاحات من حيث الاستجابة المناعية، فإن الدراسة تُشير إلى زيادة نسبة التغيُّب عن العمل في اليوم التالي لتلقي اللقاح ذي الجدول المتنوِّع.

ولا تقتصر النتائج المُبشِّرة لمزج اللقاحات على دراسة أوكسفورد، ففي دراسة إسبانية أخرى كبيرة تُدعى اختصارا "Combivacs" نُشرت في دورية "ذا لانست" أيضا تموز الماضي، انتُخبت عينة من 676 متطوعا تتراوح أعمارهم بين 18-60 عاما ممَّن حصلوا بالفعل على الجرعة الأولى من لقاح "أسترازينيكا" منذ 8-12 أسبوعا قبل التجربة، ثم قُسِّم المشاركون بنسبة 2:1، حيث حصل ثلثا العينة على جرعة من لقاح "فايزر" في حين لم يتلقَّ الثلث الأخير أي لقاح، وفُحصت عينات الدم بعد 14 يوما لقياس مستوى الأجسام المضادة في الجسم.

على الرغم من غياب عينة للمقارنة بين مَن حصلوا على جدول لقاح متماثل وجدول لقاح متنوِّع، فإن نتائج دراسة "Combivacs" التي أعلنها الباحثون بمعهد كارلوس الثالث الصحي بمدريد كانت مُبشِّرة، حيث أكَّدت أن نسبة الأجسام المضادة في أجسام المشاركين الحاصلين على جرعة من لقاح "أسترازينيكا" متبوعة بجرعة من لقاح "فايزر" كانت أعلى بـ37 مرة من نسبتها في أولئك الحاصلين على جرعة واحدة فقط من لقاح "أسترازينيكا"، كما أن نسبة "الخلايا تي" المناعية كانت أعلى بـ4 مرات.

بالمثل، عملت جامعة سارلاند الألمانية أيضا على دراسة حول الاستجابة المناعية لجدول لقاح متنوِّع باستخدام لقاحَيْ "أسترازينيكا" و"فايزر". وأُعطي بعض المشاركين جرعتين متماثلتين من لقاح "أسترازينيكا" أو "فايزر"، بينما حصل البعض الآخر على جرعة مبدئية من لقاح "أسترازينيكا" تبعتها جرعة معززة من "فايزر" بعد 9-12 أسبوعا. أشارت النتائج إلى أن جدول اللقاح المتنوِّع أنتج قدرا أكبر من الأجسام المضادة المتخصِّصة ضد بروتين الحسكة الخاص بفيروس "سارس-كوف 2" وعددا أكبر من "الخلايا تي"، مقارنة بجدول لقاح "أسترازينيكا" المتماثل، بينما جاءت النتائج متقاربة أو أعلى قليلا مقارنة بجدول لقاح "فايزر" المتماثل، وهو ما يؤكِّد النتائج التي توصَّلت إليها دراسة "Com-Cov".

لم يكن السبب الوحيد وراء خطة مزج اللقاحات هو ما حدث مع لقاح "أسترازينيكا"، بل إن هذه الخطة قد توفِّر بديلا مناسبا للدول الأقل حظا أو المناطق التي تعاني للحصول على جرعات من نوع معين من اللقاح بانتظام، حيث تستطيع هذه الدول الآن ببعض الثقة أن تسمح لمواطنيها بالحصول على اللقاح المتوفِّر في الوقت الحالي حتى لو لم يتوافق مع نوع اللقاح الذي تلقوه في الجرعة الأولى، بدلا من حرمانهم من الجرعة الثانية وما توفِّره من حماية ضد أعراض المرض ومضاعفاته.

السبب الآخر هو أن مزج جدول اللقاحات قد يساعد في تعجيل الوصول إلى عدد أكبر من المواطنين في وقت أقصر، حيث تنتفي الحاجة إلى الانتظار لمدة 12 أسبوعا إذا ما حصل المواطنون على الجرعة الأولى من لقاح مثل "أسترازينيكا" ثم بعد ذلك حصلوا على جرعة ثانية من لقاح "فايزر". في حالات أخرى، قرَّرت بعض الدول مثل الإمارات إعطاء جرعة معززة من أحد لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال لمَن حصلوا على لقاح "سينوفارم" الصيني، وذلك بعد تفاقم انتشار الفيروس رغم حملات التطعيم المستمرة، على أمل أن يعطي هذا المزج مناعة إضافية.
 
وبحسب ما نشرته شبكة تليفزيون الصين العالمية، فإن رئيس الوزراء الكمبودي "هان سِن" قرَّر أن يحصل مواطنوه على جرعة ثالثة معززة من لقاح كورونا، بحيث ينال المواطنون الحاصلون على جدول لقاح متماثل من "سينوفارم" الصيني على جرعة ثالثة من لقاح "أسترازينيكا"، في حين ينال المواطنون الحاصلون على جدول لقاح متماثل من "أسترازينيكا" على جرعة ثالثة معززة من لقاح "سينوفارم". بينما لا توجد دراسات كافية عن التأثير المناعي أو الأعراض الجانبية لهذا المزيج بالتحديد، لكن منظمة الصحة العالمية لم تُبدِ اعتراضا على اعتماده في كمبوديا.

ويمكن أن توفِّر إستراتيجية مزج اللقاحات للعالم نافذة أمل في مواجهة تحورات الوباء وانخفاض المناعة الناتجة عن اللقاحات بمرور الوقت. مؤخرا، بدأت المعاهد الوطنية للصحة بالولايات المتحدة الأميركية في إجراء دراسة جديدة تتضمَّن 150 مشاركا ممَّن تلقوا جدول لقاح متماثل من "جونسون وجونسون" أو "مودرنا" أو "فايزر"، منذ 20 أسبوعا على الأقل، على أن يحصلوا على جرعة ثالثة معززة حصريا من لقاح "مودرنا". تهدف الدراسة إلى تحديد أمان الجرعات المعززة وفاعليتها لمَن تلقوا جدول لقاح كامل بالفعل، وذلك لمواجهة التحورات التي تطرأ على الفيروس، بالإضافة إلى تضاؤل مناعة الجسم بعد مرور فترة على تلقي اللقاح بمختلف أنواعه، ومن المتوقَّع أن تُنشر نتائجها نهاية هذا الصيف.
 
وفي ظل غياب المعلومات الكافية عن تأثير مزج اللقاحات في مواجهة المتحوِّر دلتا الأكثر انتشارا على مستوى العالم في الوقت الحالي، تأتي الدراسة الحديثة المنشورة في "ذا نيو إنجلند جورنال أوف ميديسن" بنتائج تحمل قدرا من التفاؤل بينما ننتظر نتائج الدراسات الموجَّهة نحو فعالية مزج اللقاحات ضد المتحوِّر دلتا. تُشير الدراسة إلى أن الحصول على جرعتين من لقاح "فايزر" فعال بنسبة 88% في مواجهة المتحوِّر دلتا، بينما الحصول على جرعتين من لقاح "أسترازينيكا" فعال بنسبة 67% ضد المتحوِّر نفسه.

هذه النتائج غير كافية بالطبع لتوقُّع كفاءة مزج جدول اللقاحات في مواجهة تحورات الفيروس المختلفة، لكن الدراسات التي أُجريت حتى الآن تجتمع على أمر واحد: مزج اللقاحات يرفع من مناعة الفرد ضد الفيروس ارتفاعا ملحوظا في عينات الاختبار. وريثما ننتظر ترجمة نتائج هذه الدراسات على أرض الواقع بين عدد أكبر من الأفراد، لا مفر من الاستمرار في اتباع الإجراءات الاحترازية وتلقي لقاح "كوفيد-19" المتوفر أيًّا كان نوعه في أقرب فرصة، لعل البشرية تسبق الفيروس بخطوة هذه المرة.
google-playkhamsatmostaqltradent