recent
الاخبار العاجلة

القرار قراركم موقف جديد للمرجعية من انتخابات تشرين 2025.. هذه المرة بوضوح أكبر

 








أعاد اعتذار معتمد المرجعية الدينية العليا في البصرة، علي محمد رشاد المظفر، عن خطبة الجمعة التي دعا فيها إلى المشاركة في الانتخابات وحدّد خلالها “قوائم لا يجوز انتخابها”، الجدل مجددًا حول موقف المرجعية من العملية الانتخابية، وحدود العلاقة بين المنبر الديني والموقف السياسي في العراق.

في خطبته الأخيرة، قال المظفر أمام المصلين إنّه "لا يجوز انتخاب القائمة التي لا تحافظ على الحشد، ولا القائمة التي تتنازل عن خور عبدالله أو بادية السماوة، ولا التي تعمل على تمرير أنبوب بصرة – عقبة وصولًا إلى الكيان الصهيوني"، مضيفًا أن "الانتخابات وسيلة للتغيير وحماية العراق من التنازلات".

لكن سرعان ما نشر معتمد المرجعية مقطعًا مصورا أعلن فيه اعتذاره الصريح قائلاً: "أعتذر عن دعوتي السابقة للمشاركة في الانتخابات في خطبة الجمعة الماضية، وكان ذلك رأيا شخصيا لا يمثل المرجعية لا من قريب ولا بعيد."

الاعتذار السريع أعاد إلى الأذهان ثبات المرجعية العليا على سياسة الحياد، وحرصها على عدم الزجّ باسمها في أي دعاية أو توجيه انتخابي.

الخبير في الشؤون الاستراتيجية محمد التميمي، قال ، إنّ "اعتذار معتمد المرجعية في البصرة يعكس إصرار المرجعية العليا على النأي بنفسها عن أي اصطفاف سياسي أو توجيه انتخابي، مؤكداً أن المرجعية تترك الخيار للمواطنين بحرية تامة وفق قناعاتهم ومصلحتهم الوطنية".

وبيّن التميمي أن "المرجعية منذ سنوات تتعامل مع الانتخابات بوصفها وسيلة مدنية لا دينية، وتؤكد أن دورها يقتصر على التذكير بالإصلاح ومحاربة الفساد، دون أن تدعم جهة بعينها"، مضيفًا أن "حادثة البصرة تمثل تذكيرًا علنيًا بعدم استخدام المنبر الديني لتسويق المواقف السياسية".

منذ عام 2003، شكّلت المرجعية الدينية العليا في النجف بزعامة السيد علي السيستاني، المرجعية الموجِّهة للضمير العام دون أن تتحوّل إلى فاعل سياسي مباشر.

ففي 2004، كانت أول من أصرّ على إجراء انتخابات حرة لتأسيس الشرعية الدستورية، رافضة أي سلطة معينة من الاحتلال.

وفي 2005، شجّعت الناس على المشاركة الواسعة لكنها لم تدعم أي قائمة.

أما في 2010، فأكدت عبر بيانات رسمية أن موقفها “إرشادي لا سياسي”، وأنها تترك الاختيار للناخب وفق ضميره.

وفي 2014، ومع احتدام الانقسامات، اكتفت بالدعوة للإصلاح دون الدخول في التفاصيل الانتخابية.

وفي 2018، أطلقت شعارها الشهير “المجرّب لا يُجرّب”، دعوة أخلاقية لا انتخابية، أصبحت علامة على خطابها التحذيري من الفساد.

ثم جاء بيان 2021 ليحسم الجدل نهائيًا، إذ أكّد مكتب السيد السيستاني أن المرجعية "لا تدعم أي مرشح أو قائمة على الإطلاق"، داعيًا إلى مشاركة واعية بعيدة عن تأثير المال والسلاح.

وفي انتخابات 2023 لم تصدر المرجعية أي نداء، وهو ما فُسّر بأنه تطور نحو حيادٍ أكثر صرامة.

يرى مراقبون أن المرجعية في النجف تتعامل مع الانتخابات بمنطق "المسافة الواعية"؛ فهي تؤمن بضرورة العملية الديمقراطية، لكنها لا تضع نفسها داخلها.
فكلما ارتفعت حمى التنافس الطائفي أو المالي، تختار الصمت لتؤكد استقلالها عن الجميع. وفي المقابل، كلما انحدر الأداء السياسي، تعود بخطبة إصلاحية تُذكّر بالمبادئ ولا تُسمّي الأسماء.

حادثة البصرة الأخيرة تُعيد التذكير بحدود العلاقة بين المنبر كأداة وعظية وبين المرجعية كمؤسسة قيمية. فالخطيب يمكن أن يُعبّر عن رأيه، لكن المرجعية لا تسمح بتحويل هذا الرأي إلى موقف ديني رسمي.

ولهذا كان الاعتذار السريع بمثابة تصحيح للمسار وإشارة للآخرين بأن المنبر ليس للدعاية الانتخابية، وأن المرجعية تُريد أن تبقى في موقعها التاريخي كصوت ضميرٍ وطني لا كحزب سياسي.

منذ أكثر من عقدين، حافظت المرجعية على خيط دقيق بين الدين والسياسة، بين النصيحة والموقف، بين الوطن والمذهب. وحادثة معتمد البصرة اليوم ليست خروجًا عن هذا النهج، بل تأكيدٌ عليه.

فالمرجعية، التي باركت أول تجربة انتخابية في 2005، هي نفسها التي تصمت اليوم عن أي دعاية أو اصطفاف، لتقول للناس بصمتها: “القرار قراركم، والمسؤولية مسؤوليتكم”.







google-playkhamsatmostaqltradent